شريط الاخبار

قائمة

المدرسة الأفغانية





للكاتب: ناصر الخراساني
(المصدر صحيفة المسرى العدد 20 - 11 ذو القعدة 1437هـ - 14 أغسطس 2016م)
---------------------------------
محطة من محطات التاريخ وبذرة الجهاد المعاصر، مدرسة تنوعت دروسها ما بين الصبر والثبات والتضحية والإباء، لم تثنيهم فجائع الزمان وتكالب أعداء الإسلام على تلك الأرض من ديار الإسلام، استمراراً في تقديم التضحيات وثباتاً في مسيرة الجهاد، تلك هي المدرسة الأفغانية التي يتمنى كل مجاهد لو أنه مر على ترابها وتتلمذ في فصولها، يتنقل بين مجالدة الإنجليز والروس والأمريكان، ليرتشف البصيرة والخبرة، وليتعلم معاني الحكمة والحنكة.
يتحرك المجاهدون الأفغان وفق نظام دقيق وخطط مدروسة فكل حركة لها احتمالات ودراسات، فهم قد خبروا خصومهم، ومما أدهشني في هذا النظام والتخطيط أن أحد الإخوة العرب نزل من وزيرستان إلى أفغانستان وانظم لمجموعة من الطالبان فرأى شعارهم "جمعة مباركة ولغم على الأمريكان" يعني لغم واحد على الأمريكان في الأسبوع مع أن هناك إمكانية لعمل ألغام لأرتال أخرى وستحقق نتائج جيدة.. فتحمس الأخ وبدأ يتحدث مع الطالبان عن هذا الذي يراه تقصيراً واستعد ليقوم بزرع وتفجير العبوات وبكثافة. 
فكان الجواب أنهم ممنوع من القيادة أن ينفذ أكثر من الرقم الفلاني من العمليات في الأسبوع الواحد، حتى لا يجلب حملات عسكرية على المنطقة فينقطع العمل فقليل دائم خير من كثير منقطع، وكان يقول القائد في تلك المنطقة "لا بأس لن نستعجل في التحرير فليأخذ منا ذلك خمسون سنة لا بأس الجهاد متصل حتى قيام الساعة".
شعار الأفغان دائماً "مرمي ختم جهاد قبول" يعني انتهت الذخيرة في هذه العملية ونسأل الله القبول ثم يرفع البتو على كتفه ليعود مرة أخرى في وقت آخر لمهاجمة ذات الهدف بذخيرة جديدة.
مدة الكمين في أفغانستان لا تتجاوز الربع ساعة، لأن الذي يعرف الحرب يدرك أن بقاءه في مسرح العملية أكثر من ذلك يعرضه لخطر الطيران الأمريكي، فتجد الأفغاني ينصب الكمين وبعد ربع ساعة بالضبط يعمل في الحقل ويجني الرمان أو يبيع ويشتري في السوق والأمريكان يتخبطون، إنها حرب العصابات التي احترفها الأفغان البسطاء.
قد تدفعك رغبتك وحماستك للإقدام على أمر ولو كان حسناً، ولكن امتناعك من تنفيذ الأمر تقيداً بخطة مرسومة تكون عاقبته حميدة، فالقائد يرى ما لا يرى الجندي، ويرسم خططه للمدى البعيد، ويفهم خصمه أكثر من الجندي وهذا سر من أسرار الأفغان الذي عرفوا الحرب حق المعرفة.
الأفغان مدرسة في الجهاد وعنوان بارز في العزيمة، ومثل يتحذى به في الأخوة الإسلامية، وحب من هاجر إليهم، وتقديم أرواحهم دون من هاجر إليهم، وتلك عظمة الأفغان وذلك إيمانهم.
يقدم المسلم الأفغاني ولده الأول والثاني والثالث في سبيل الله فلا تسمع إلا فرحه واستبشاره بفضل الله، وبأن الله أختار بيته ليكون فيه شهيد بإذن الله، يحكي لي أحدهم عمن أتى من هناك قريباً، وكله دهشة من حكمتهم وحنكتهم وحرصهم على المسلمين مع حرصهم على استمرار جهادهم.
تعجبت قديماً أن مستشرقاً كان يصيح بأعلى صوته: "لا بد من تدمير كيان الأسرة في جزيرة العرب وأفغانستان" فبدأت أفكر وأنقب لماذا اختار هذين البلدين؟ فكان الجواب أن أفغانستان بالذات لايزال مجتمعها قائماً على تركيبة إسلامية أصيلة ففي كل منطقة مولوي يحكم بين الناس والعادات الأسرية والمجتمعية لا تنسجم مع مشاريع ما يسمى بالتحديث أو التغريب، وأعظم ما تجده عند الأفغان احترام العلم والعلماء والاعتراف لهم بدورهم في تسيير أمور المجتمع.
كم نحن بحاجة إلى هذه المدرسة الأفغانية وكم نحن بحاجة للمرور على تلك المحطة واستيعاب الدروس من الأفغان من خبروا الأعداء، وقدموا نماذج في الصمود.

شارك :

التسميات:

عن الصحيفة

صحيفة عالمية أسبوعية تهتم بالقضايا الإسلامية [[ أخبار - مقالات - دراسات - لقاءات ]] رﺋﻴﺲ اﻠﺘﺤﺮﻳﺮ ﺟﺎﺑﺮ ﻋﺒﺪ اﻠﻐﻨﻲ

لا تعليقات في " المدرسة الأفغانية "

  • لمشاهدة الإبتسامات اضغط على مشاهدة الإبتسامات
  • لإضافة كود معين ضع الكود بين الوسمين [pre]code here[/pre]
  • لإضافة صورة ضع الرابط بين الوسمين [img]IMAGE-URL-HERE[/img]
  • لإضافة فيديو يوتيوب فقط قم بلصق رابط الفيديو مثل http://www.youtube.com/watch?v=0x_gnfpL3RM